أميرة العسولي.. طبيبة غزة الفدائية

أميرة العسولي.. طبيبة غزة الفدائية .

shapes
shapes

 

كان اليوم السابع والعشرون بعد المائة للعدوان على غزة ليلة شديدة  على أهل غزة، الرصاص يزخ فوق رؤوس النازحين في الخيام التي تقابل مستشفى ناصر الطبي في خان يونس، والقصف الجوي نال من الطوابق الأخيرة من المجمع ليدب الرعب والخوف في قلوب النازحين، عدا عن صوت القناص الذي يضرب ببندقيته كل شيء يتحرك هناك.

 

بعد انتهاء يوم مرهق، استندت د. أميرة العسولي على جدار غرفتها المليئة بالنازحين لتأخذ استراحة محارب كما يقال، ليخترق سمعها صوت أنين جريح في خيمة تحت غرفتها، قنصته رصاصة جندي على ناصية الشارع على بعد أمتار من المجمع، فصراخه واستنجاده جعلها بلا أي تردد أن تخرج على بوابة المجمع لتنقذه!

 

كان الناس يتجمعون على باب مجمع ناصر الطبي جنوب قطاع غزة، يخشى الجميع أن يقطع بعض المترات بينهم وبين الخيمة التي ينطرح فيها الجريح أرضًا، فيرصدهم القناص ويقتلهم، إلا أن د. العسولي لم تستطع الوقوف أكثر من دقيقة أمام صرخات الجريح، فنزعت رداءها الشتوي، وركضت نحو أنينه محنية الظهر، لحق بها د. محمد أبو لحية وأنقذا الجريح وأدخلاه إلى المشفى، تحت وابل من الرصاص أرضًا والصواريخ الممطرة سماء، في مشهد جعل العالم كله يقول عنها: «بطلة هذا الزمان».

 

يوم السابع من أكتوبر، حين شنت الحرب على غزة، كانت العسولي برحلة علمية في جمهورية مصر العربية، وكانت ما تخشاه هو عدم التمكن من العودة إلى غزة لتشارك في تطبيب الجرحى، فكان دعاؤها: «يعلم الله أني أحب غزة وأتنفس غزة وأنا خارج غزة، اللهم أرجعني إلى حيث أتمنى»، فكان لها ما تمنت!

 

أتدري؟! لم يكن الموقف البطولي هذا هو الأول للطبيبة الإنسانة أميرة، بل أنقذت في أيام الحرب الأولى قطة كانت تبكي مذعورة تحت أنقاض منزل مقصوف، فظلت لساعات ترفع عنها الحجارة فوق الركام لتخرجها بسلام، لتسطر صورة جميلة من صور الرحمة والرفق والإنسانية.

 

ولا شك أن بطولة العسولي أعادتنا إلى أمجاد الإسلام، وإلى نماذج مشرقة أضاءت صفحات التاريخ الإسلامي، كالممرضة رفيدة الأسلمية التي كانت تداوي جرحى الغزوات، وتبذل قصارى جهدها في خدمة ضِعاف المسلمين ومرضاهم، فكانت خيمة «غزوة الخندق» أول مستشفى متنقل في الإسلام، وكانت تعرف الخيمة باسمها «خيمة رفيدة الأسلمية».

 

ورفيدة الأسلمية امرأة صالحة كانت لها خيمة بالمسجد تعمل بها على مداواة الجرحى من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتَلُمّ الشّعث، وتعتني بمن ليس له أحد.

 

لنكن متفقين، تغيرت الشخصيات البطولية بنظر أطفالنا بعد «طوفان الأقصى»؛ كأمثال المقاتل الأنيق الذي ظهر في أبهى وأجل أناقة يواجه الكف بالمخرز، فأبدله الأطفال بـ«بات مان» بردائه الأسود وبطولته الخارقة، وكالدكتورة أميرة العسولي التي أبهرت العالم بشجاعتها وجرأتها وعملقتها!

 

ياسمين عنبر